الثلاثاء، 6 ديسمبر 2011

من أجمل ما قرأت (5 )

من أجمل ما قرأت (5 ) 
من تراث الأباء ( 4 ) :

السلطان الذى لايقهر

- ليس هناك سلطان يعدل سلطان الدين على نفوس البشر , إن القوانين الوضعية والشرائع الأرضية تستعين بشريعة السماء فى فرض سلطانها على النفوس 
- ولقد كانت القوانين الوضعية فى الماضى تستمد نصوصها من مواد الشريعة الدينية , وكان سلطان الدين هو المتحكم فى سياسة الدولة 
- ولم يستمد الدين سلطانه هذا من أثره فى النفوس فحسب و وإنما ورثه ايضا من عصور ماقبل الأديان , فقد كان لكهنة قدماء المصريين النفوذ الأول على شئون الحكم فى عهد الفراعنة 
- لقد إهتدوا إلى اللـه قبل أن يهتدى إليه البشر عن طريق الأنبياء , ذلك لأنهم كانوا يحسون بأن قوة علوية تدير المسكونة , وكانوا يشعرون بإفتقارهم إلى معرفة هذه القوة , ولم تعوزهم معرفتها ... فقد كانوا يتمثلونها فى السماء وماحوت 
- وكان للدين فى ذلك الحين سلطانه , وكان لكهنة قدماء المصريين سيطرتهم , كانوا يستحوزون وحدهم على أسرار العلوم والمعارف , بل كانوا يحتكرون هذه الأسرار ويتوارثونها ولايتداولونها إلا فى محراب هياكل " إيزيس وأوزوريس ..... "
- ومن هنا كانوا يسيطرون على مقاليد الحكم وكان الفراعنة طوع إشارتهم ورهن مشيئتهم 
- وحينما جاءت الأديان , ومشى الأنبياء بين الناس يهدونهم إلى عبادة اللـه عن طريق آخر غير ما ألفوه من طرق وأساليب , وقف الكهنة القدامى فى طريقهم , وشهروا فى وجوههم سلاح سيطرتهم ونفوذهم , وكان شاقا على الأنبياء أن يقنعوا الناس بتغيير ما الفوه وإستكانوا له , وكان عسيرا على الناس أيضا أن يخرجوا على طاعة كهنتهم الذين يمسكون بإيديهم " مفاتيح " الحياة الآخرى
- لقد كانوا يؤمنون فعلا بحياة آخرى , ولكنها الحياة التى كان يصورها لهم كهتة الفراعنة وكانوا لأجلها يملأون قبورهم بالطعام والشراب 
- وبعد أن تفتحت عيون الناس على الأديان و وإستمعوا إلى صوت السماء على آلسنة الأنبياء , إزداد سلطان الدين قوة ونفوذا , وعاد رجال الدين يسيطرون على مقاليد الأمور فى شئون الدولة , زكان رؤساء الكهنة يتولون شئون الحكم وفى بعض الأحيان كان الحكام يرسمون رؤساء للكهنة لكى يدعموا بهذه الرياسة سلطانهم على الناس 
- وككل شىء يساء إستخدامه , وككل ملك ينتزع ممن لايحسن سياسته , أخذت الشعوب تتألب على حكامها الذين شدوا عليهم وثاق سلطانهم بعد ماجمعوا فى أيديهم بين السلطة الدينية والسلطة المدنية , يستعينون على هذه بتلك , ويلهبون بالسلطتين ظهور الجماهير المساقة سوق الأنعام .... وأخذت هذه الشعوب تلتمس فكاكا من سلطانهم المدنى قبل أن تراودها فكرة الخروج على السلطان الدينى . أنهم يريدونهم : إما رؤساء دين , إما رؤساء دنيا , أما رؤساء دين ودنيا .. فلا ..!!!!؟
- ومن هنا بزغ مبدأ فصل الدين عن الدولة , ثم سار هذا المبدأ مع المدنية والتحضر والتحرر جنبا إلى جنب , وكان أن دالت دولة سلطان الفاتيكان ودرجت فى أكفان ( صكوك الغفران ) ثم بادت الخلافة من بنى عثمان 
- وبقى الدين دينا , والدولة دولة ... ولقد تبرأ الدين مما كانت تجره إساءة سياسة الدولة عليه وعلى دعاته 
- وبقى للدين سلطانه الذى لايقهر ... السلطان الذى يحاول أن يستخدمه من حين إلى آخر رجال الدنيا دون أن يتخذوا لهم عبرة مما آل إليه سلطان الفاتيكان .. أو خلفاء بنى عثمان ... 
( من كتاب " الأدب الدينى " للأنبا غبريال أسقف دير الأنبا أنطونيوس , صدر سنة 1957م )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق